الثلاثاء، 23 يوليو 2013

هذا ما قاله الدكتور رضا سعادة في تأبين إبنته ميريام

قبل طلوعِ شمسِ الخامس عشر من تموز الجاري، رنّ جرسُ هاتفِ مريام، ليذكّرها أن موعد ذهابها إلى العمل قد حان. لكنّ مريام لم تسمع، لأنّها لم تعد موجودة.
مسكين ذلك الجرس، الذي لم يعرف أن مريام قد انتهت خدماتها في الوظيفة العامة، وأنها لن تذهب إلى العمل بعد اليوم.
لقد توقّف القلب الكبير عن النبض، معانداً قناعة الأصدقاء والأحبة، الذين قالوا إن مريام قدّيسة، والقدّيسون لا يموتون.
لكنّها ماتت!
لقد كبوتِ يا غزالتي قبل أن تسمعي شهاداتهم فيك. شهدوا أن مريام قيمةٌ أخلاقية عالية. وقالوا فيك الكثير.
كأنهم ترجموا مقولة مدير مدرستك، عندما كنتِ طفلة في الابتدائي، حيث قال: مريام شخصية مميّزة منذ نعومة أظافرها.
ها أنذا أتعرّف إليك يا ابنتي مجدداً من خلال الآخرين، كأنني لم أكن أعرف فيك كل صفاتك!
لقد كنتِ كتلةً نابضةً بالحياة، مِلئُك الخيرُ والحبُّ والجمال. لكنك تحوّلتِ فجأة إلى صورةٍ معلقّةٍ على الجدران، وأصبحتِ لافتة تملأ الشوارع والساحات.
ما أشبه يا ابنتي يوم تشييعك بيوم زفافك؛ حديقة المنزل نفسها، والأزهار والأشجار. والبوّابة ذاتها التي استقبلتك عروساً في طرحة بيضاء، نابضةً بالحياة، ودّعتك في كفنٍ أبيض من دون نبض.
لطالما أوصتني أمّكِ في حال موتها (لا سمح الله) قبلي، أن أنقل نعشها في سيارة سوداء وثيرة، تغطّيها الورود البيضاء. لكنك سبقتنا جميعاً إلى الموت، فأهدتكِ أمك نعشها.
ولطالما أوصيتك أنتِ وأخوتك، أني إذا ما مُتّ، أن تدفنوني إلى جوار والديّ، ليحتضناني في آخرتي كما احتضناني في دنياي؛ لكنك سبقتني إلى الموت، فأهديتك قبري.
ها قد حظيت يا ابنتي بنعش أمّك وقبر أبيك. مباركان عليك النعش والقبر؛ عسى أن يكونا وسيلة نقلك إلى جنة الخلود.
إن من عادة الأبناء أن يرثوا آباءهم، لكنّنا نحن الذين نرثك اليوم. لقد ورّثتِنا جلال وجنى والطفلة الرضيعة جود، التي نرى في وجهها الملائكيّ وجهك. اطمئني يا ابنتي، سنحفظهم جميعاً بأهداب العيون.
مريام، يا زينة عمري كلّه، يا وردةً زُرعت في قلبي مُذ وُلدتِ، وستبقين مزروعة. سأبقى أشمّ رائحة عطرك النوّاح ما حييت، وسأظل أسقي وردتك بدموع عينيّ (عسى أن لا يجفّ دمعي قبل أن يجفّ دمي)، لأتنفّس أريجها إلى اليوم الذي سيُلحقني الله بكِ، يا فلذة كبدي.
المشتاق إلى نور وجهك
أبوك رضا سعادة

0 التعليقات:

إرسال تعليق