الجمعة، 19 يوليو 2013

«عدّة شغل» ريفي: علّوكي وابن البلد واللّهيب - غسان سعود - الأخبار

«عدّة شغل» ريفي: علّوكي وابن البلد واللّهيب


تكرر «السنية السياسية» فيلم «المارونية السياسية» البشع. ما كان ينقص الأولى، بعد خطفها مفاتيح الاقتصاد والبرنامج السياسي واحتكار السلطة، غيّر وجود لواء (جنرال) من طائفتها لتتطابق مع الثانية، في وقت تتشابه فيه «عدّة عمل» الجنرالات
يصعب تحديد ما إذا كانت السيارة التي يقودها «أبو رياض» من طراز «هوندا» أو «رينو» أو «داتسون». لعل بابها باب «داتسون»، وغطاء محركها يعود إلى «رينو»، فيما محركها محرك «هوندا». لكن المؤكّد أن «أشكمونها» صناعة محلية طرابلسية مئة في المئة. وهي ــــ بمكبّرات الصوت على سطحها وصندوقها المليء باللافتات ــــ ليست مجرد سيارة، بل هي بمثابة المكتب الإعلامي للواء المتقاعد حديثاً أشرف ريفي. وما سائقها «أبو رياض»، أو «ابن البلد» كما تسميه لافتاته، إلا «المسؤول السياسي» الأول والأخير في ماكينة ريفي. فقبيل تقاعده، كان كل من في المدينة يجزم بأن اللواء يكتب لابن بلده شعاراته. أما بعد تصريحاته عقب التقاعد، فبات هؤلاء على ثقة بأن «أبو رياض» يكتب للواء وليس العكس. يواجه ريفي جيش المستشارين عند الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي بحماسة «أبو رياض» الذي فرّ عامين من مطاردة الخطّاطين في المدينة بسبب تخلفه عن دفع مستحقاتهم. وبدل تبذيره أمواله على تأسيس تلفزيون أو تمويل صحيفة لا تقرأها إلا قلة، يكفي أن يأتي «أبو رياض» برزم قماش شهرياً و«سطول» بويا ليملأ المدينة بلافتات لا يمكن الطرابلسي إلا أن يراها كيفما أشاح نظره. وما يفترضه ريفي استراتيجية إعلامية ناجحة، يطبّقه أيضاً في الأمن، مفترضاً أن زمرة مسلّحة صاخبة يمكنها مواجهة حزب مسلّح صامت ومنقطع النظير تنظيمياً.
لا وزراء مالية في فريق عمل ريفي على غرار الرئيس فؤاد السنيورة، ولا سفراء كما في فريق الرئيس نجيب ميقاتي، ولا سرب محامين كما هي الحال مع الوزير محمد الصفدي. «عدّة شغل» اللواء سبعة من طراز «أبو رياض»، هم: زياد علوكي وطارق الزهر وأبو محمد نشابة وبلال بارودي وهيثم مبيض ومعين المرعبي وديب اللهّيب.
علوكي يمثل ذراع ريفي «الخواتية» بين هؤلاء. أبناء الأحياء الطرابلسية الداخلية الموازية لنهر أبو علي تتهم علوكي بمطاردة أصحاب البسطات وفرض خوات عليهم، ويروي بعض الأهالي أخباراً، لا يمكن التثبت من دقتها، عن استفادته من غطاء المدير السابق لقوى الأمن الداخلي لتشييد أبنية وطوابق مخالفة، يبيعها لاحقاً.
أما الزهر، فكان حتى أشهر قليلة ماضية رجل المهمات الأمنية السرية في فريق ريفي. لكن حماسة اللواء واضطراره إلى إثبات حضوره بين المقاتلين الطرابلسيين ونفوذه دفعته إلى كشف جميع أوراقه.
نشابة هو صلة الوصل بين ريفي والأفرقاء السياسيين في المدينة، بحكم تنقله سياسياً بين حزب البعث العراقي يوم كان للنائب السابق عبد المجيد الرافعي صوت في المدينة، وحركة التوحيد يوم صارت هي المدينة، وصولاً إلى الاستخبارات السورية التي كلفته إدارة مركز باسل الأسد الاستشفائي قرب الجامع المنصوري، وانتهاءً بقوى آذار ممثلة بريفي أخيراً.
أما بارودي، فهو «شيخ القراء» في طرابلس من جهة، ورأس حربة ريفي في المجموعات الإسلامية في طرابلس وخارجها. فيما يرأس مبيض، بالشكل، جمعية خيرية، لكنه فعلياً يمثل عيني ريفي في النوادي الرياضية وصالات كمال الأجسام التي اكتشف اللواء، كما يبدو من متابعته الدقيقة لتضخيم العضلات الذي يحصل فيها، أنها أهم في مجال عمله الطرابلسي من الجامعات والأحزاب.
المرعبي كان أحد نواب المستقبل القليلين الذين سارعوا بعد استشهاد ولي نعمتهم السياسية (اللواء وسام الحسن) إلى تقديم لجوء سياسي إلى ريفي لا السنيورة. ويلعب المرعبي دور أذن اللواء في كتلة المستقبل ولسانه في الاعتصامات والمقابلات التلفزيونية.
أما اللهّيب فهو خزنة اللواء، ومرافقه الدائم. ديب اللهيب يشتري وديب اللهيب يبيع، ومن يغمزه اللواء ليذهب مع ديب اللهيب يعش ما كان يعيشه من يغمزه الرئيس رفيق الحريري ليدخل غرفة جانبية في قريطم، ويخرج منها منفرج الأسارير.
يضاف إلى «عدّة الشغل» هذه، محمد أديب، قريب اللواء الذي يمثل غطاءه في المشاريع السياحية التي تنأى بنفسها عن أحياء طرابلس الساخنة. فضلاً عن عشرات بائعي القهوة والكعك الذين يمثلون الأساس الصلب لـ«حزب ريفي» بعدما أخفق في اجتذاب المقاتلين بسبب إصرار عميد حمود، القائد الميداني المستقبلي الأبرز في طرابلس، على إمرار علاقة ريفي بالمقاتلين الجديين به، في وقت سارع فيه النائب سمير الجسر والنائب السابق مصطفى علوش إلى سد نوافذ تيار المستقبل لمنع تسرب ناشط جدي واحد إلى جماعة اللواء، لمعرفتهما ــــ كما النائب محمد كبارة والنائب السابق مصباح الأحدب ــــ أن وجود ريفي يهدد وجودهم جميعاً. واللافت هنا أن الجسر وعلوش وكبارة والأحدب وحمود، فضلاً عن ميقاتي والصفدي وآل كرامي، يتصرفون على أساس أن ريفي يمثل تهديداً شخصياً لوجود كل منهم سواء الأمني أو النيابي أو السياسي.
رغم ذلك، ينجح ريفي بهذه «العدّة» المتواضعة حيث فشل كثيرون. ويستفيد من «حنفية» سعودية لم تنقطع في العامين الماضيين، خلافاً لحنفيات كثيرة، لتوطيد نجاحه المتواضع والمراكمة فوق حجر الزاوية الذي اشتراه. يلعب حتى الآن ريفي في ملعب ميقاتي والصفدي وكبارة، في البيئة الطرابلسية الأفقر، حيث يسهل شراء الولاءات. وفي حساباته، كما يقدّر أحد المطلعين الطرابلسيين، أن تيار المستقبل قادر على استعادة نفوذه حين يجدّ الجدّ في أوساط النقابيين وكبار التجار والأثرياء، أما خسارته في الأحياء الفقيرة فلا يمكن محاصرتها بغير الذهاب إلى هذه الأحياء بسيارة «أبو رياض» وتناول الكعك في الشوارع وتمضية الوقت في صالات كمال الأجسام والرقص على أنغام Abou l3abed style. تمخض تيار المستقبل فولد محمد كبارة صغيراً.
«اللواء» في الحسابات الطرابلسية
«اللواء»، كما تسمي طرابلس أشرف ريفي، ليس ابن الأحدب أو الجسر أو كرامي أو الرافعي. هو، فعلياً، يحمل عائلة صغيرة على كتفيه ويشق طريقه انطلاقاً من حي صناعي ــــ تجاري صغير في قلب مدينة طرابلس القديمة يعرف بباب الحديد، بدل أن تحمله عائلته كغالبية السياسيين الآخرين وتجوب شوارع مدينته. لا يدخل عديد آل ريفي في الأوزان الانتخابية الثقيلة حتى في المدينة. ميقاتي، مثلاً، يعوّل رغم كل ثروته على تاريخ أسرته في المدينة، والجسر يتصرف، رغم كل ألقابه، باعتباره «ابن الجسر»، وشجرة كبارة العائلية لها فروع في كل الأسر الطرابلسية. أما الوزير فيصل كرامي، فيكفيه أنه حبة في عنقود رشيد كرامي ليجد في أي زقاق طرابلسي يدخله عشرات المسنين يهتفون له.
في المقابل، لم يرث ريفي عن والده من يهتم بالموظفين ومن يحرر المساجين ومن يرشي رؤساء الأقلام الانتخابية ويعشّي يومياً المخاتير. يكاد يكون ريفي أقرب إلى مصطفى علوش، مع فارق أن غالبية ناخبي علوش لا يرونه إلا مخدّرين، في طريقهم من غرفة عملياته أو إلىها.
يسهل تخيله قبالة دكان عمه، في باب الحديد، مشمراً عن ساعديه، ينادي بائع القهوة: «إيو، هتلك فنجان». يمرغ الكعكة الطرابلسية بكيس السماق بين قضمة وأخرى. يبصق على الرصيف، ويمسح بحذائه الرياضي الذي اشتراه من عند عمه «أبو خالد» البلغم، مسحسحاً على الطريقة الطرابلسية لـ«الرايح والجايي» من أمامه. ينادي الناس بألقابهم وضحكته الصاخبة. كل من يسلم على اللواء يصبح صديقه. يهمّ بائع الخضر أن يكون له ظهر. لا يمر يوم على دركي يحاول احتجاز عربة ركنها صاحبها في مكان يمنع البيع فيه، حتى يهاتف البائع اللواء ليردع الدركي عن القيام بواجبه. هو ليس آغا أو شيخاً أو أفندياً أو بيكاً. يلائم لقب اللواء الأيام الطرابلسية العصيبة هذه. ينتظر الأطفال في شوارع المدينة حين يسمعون أن اللواء آتٍ، أرتال من الدبابات تسبقها مروحيات استطلاع ويحيط بها آلاف الجنود المشاة. لكن اللواء يحيط نفسه بسيارتين أو ثلاثة فقط ومرافقين شخصيين أو ثلاثة فقط أيضاً. هو يعلم أن أحياء طرابلس الفقيرة تحب شخصيات كهذه، وغالباً ما عرفت المدينة كل بضع سنوات ظاهرة مماثلة كان التقليد السياسي يطحنها عند أول فرصة. لا الجسر ولا علوش ولا الأحدب ولا كرامي ولا كبارة ولا ميقاتي ولا الصفدي يناسبهم أن تأخذ ظاهرة ريفي مداها الشعبي. لا مكان في الحسابات اللبنانية لزعامة طرابلسية لديها خطها السعودي السياسي المالي الأمني المستقل عن تيار المستقبل. غالباً ما عرفت المدينة، مرة أخرى، كل بضع سنوات ظاهرة مماثلة كان التقليد السياسي يطحنها عند أول فرصة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق